[من منا لم تفاجئه فى يوم آلام حادة قصيرة متكررة فى الصدر، غالبا الجانب الأيسر منه قد تنحسر تلك الآلام بسرعة فجأة كما بدأت. قد تدوم أحيانا للحظات أطول فيصبح التنفس مؤلما مما يجبر الإنسان على التقاط أنفاس لاهثة متقطعة لا تملأ عمق الصدر. يتبدد الألم ويتلاشى تماما لكن الشمس لا تسطع إنما تملأ النفس سحب القلق وغيوم الفكر.
هل أعانى من انسداد شرايين القلب؟
هل تلك هى آلام الذبحة الصدرية؟
الأمر وارد. لكن هناك العديد من أنواع آلام الصدر التى تماثل الذبحة الصدرية فى حدتها وربما فاقتها إلا أنها آلام كالأشباح تظهر بلا أثر وتمضى بلا خطر.
آلام الذبحة الصدرية: أول إشارة تعلن عن إصابة شرايين القلب التاجية بمرض تصلب الشرايين يقع القلب وسط الصدر فى موقع يبتعد قليلا إلى اليسار. ينقبض القلب وينبسط فى إيقاع منتظم بمعدل سبعين مرة فى الدقيقة الواحدة فى الأحوال العادية بعيدا عن الانفعالات واحتمالات المرض. يدفع الدم فى الشرايين ما يعادل 5.5 لتر من الدم فى الدقيقة ليصل الدم من خلال شبكة عبقرية التكوين إلى كل أعضاء الجسم وحتى أطراف الأصابع حاملا الأكسجين اللازم للحياة وكل العناصر اللازمة لها من هورمونات وإنزيمات وعناصر غذائية تم امتصاصها.
تلتقط الأنسجة ما تحتاجه وتعيد لتيار الدم ثانى أكسيد الكربون وبقايا ما يفيض عنها ومنها نتاج عمليات التمثيل الغذائى. يعود الدم مرة أخرى إلى القلب عبر الأوردة ليضخه فى اتجاه الرئة ليعود إليه مرة أخرى محملا بالأكسجين.
عملية بالغة التعقيد محكمة الأحداث والتوقيت اسفسها القلب بلا كلل أو ملل أو انقطاع مادام هناك عرق ينبض بالحياة.
كيف تعمل الشرايين التاجية؟
كان لابد للقلب من مصدر للدم يغذيه أيضا فلا عجب إذن أن يصل إليه الدم اللازم عبر شريانين رئيسيين يتفرعان مباشرة من شريان الأورطى فور خروجه من البطين الأيسر ينقسم بعد ذلك الشريان التاجى الأيسر إلى شريانين ينحدران ليغذيا الجزء الأمامى من القلب بينما يغطى الشريان التاجى الأيمن حاجة عضلة القلب من الخلف.
تمتلئ الشرايين التاجية بالدم أثناء انبساط عضلة القلب عكس كل شرايين الجسم التى تمتلئ بالدم حينما تنقبض عضلة القلب لتدفع الدم بقوة فيها.
ما سبب الألم إذن؟
آلام الذبحة الصدرية تعد أول علامات الإنذار التى يطلقها القلب ليعلن عن حاجته إلى كمية أكبر من الدم إذا ما نقصت الكمية الواردة إليه عبر الشرايين التاجية.
عادة ما تكفيه الكمية التى تصله من الدم لأداء مهامه لكن الجهد البدنى الزائد كممارسة التمارين الرياضية أو الانفعالات الحادة كالخوف والغضب أو الانفعال العاطفى يصاحبه إفراز هورمونى الابنيفرين والنورابنيفرين اللذين يحفزان عضلة القلب على بذل جهد أكبر مما يزيد حاجته إلى طاقة أكبر من إمداد الاكسجين والسكر والدهون العناصر التى يحملها الدم إليه.
فى الأحوال العادية فإن عملية التكيف تتم ببساطة إذ تتسع الشرايين التاجية بإيقاعها الذاتى لتتيح لعضلة القلب مددا أكبر من الدم، لكن ما الذى يمكنه أن يحدث إذا ما تصلبت تلك الشرايين وتراكمت على بطانتها
الداخلية الناعمة ترسيبات مختلفة من الكوليسترول والخلايا الميتة وذرات الكالسيوم؟
تضيق الشرايين نسبيا فتصل نسبة أقل من كمية الدم الذى تحتاجه عضلة القلب التى تبدأ فى الصراخ طالبة النجدة. الألم هو المرادف لتلك الصرخة التى يستشعرها القلب ولا يطلقها.
عادة لا يقف الأمر عند هذا الحد إذ قد تنجرف تلك الترسبات على جدران الشرايين إلى تيار الدم الذى يتحرك بصعوبة فتسد مجراه الأمر الذى يعرف بالنوبة القلبية «Myocardial infarctiom» أو موت الأنسجة المحيطة بالشريان المسدود من عضلة القلب ذاتها.
إذا ما ارتبط الألم بالمجهود كان لنا أن نسميها الذبحة الصدرية المستقرة أما إذا تكرر الألم فى أوقات مختلفة لا علاقة لها بالمجهود بل فى أوقات الراحة وربما أثناء النوم فإنها توصف بالذبحة الصدرية غير المستقرة وهى الأخطر إذ غالبا ما تتطور لنوبة قلبية فى المستقبل القريب إذا لم يتم التدخل السريع سواء بتوسيع الشرايين باستخدام البالون والدعامات أو الجراحة وفقا للمعلومات التى يتيحها إجراء قسطرة قلبية للشرايين التاجية.
كيف يبدأ ألم الذبحة وينتهى؟
الواقع أن ألم الذبحة الصدرية قد يخدع المريض والطبيب معا. قد لا يعدو إحساسا بالانزعاج أو الألم البسيط أو الإحساس بعدم الارتياح فى منطقة الصدر وأعلى البطن قد يستمر لدقائق معدودة أو ينتهى فجأة ليعود مجددا أو قد يأتى فى صورة إحساس ثقيل يعصر عضلات الصدر أو إحساس بتقلص المعدة وامتلاء البطن.
أو قد يباغت الإنسان بألم صاعق فى وسط الصدر يمتد إلى الجهة اليسرى والذراع اليسرى وربما الفك.
قد يصاحب الألم ضيق فى التنفس وإفراز العرق البارد والرغبة فى القىء والدوار والدوخة.
هل هناك أسباب أخرى لألم الصدر مصدرها القلب؟
آلام الذبحة الصدرية نتيجة إصابة الشرايين التاجية بالتصلب هى أكثر الآلام شهرة لخطورتها وضرورة التدخل السريع لحسم أمرها جعلها هدفا دائما لنصائح الأطباء لكنها أيضا قد تهاجم الإنسان فى حالة سلامة شرايينه التاجية مع تضخم عضلة القلب لأى سبب مرضى آخر إذ إن العضلة المتضخمة تضغط بين طياتها تلك الشرايين المهمة الرقيقة فتتسبب فى سدها رغما عنها وفى غياب أى سبب من داخلها.
آلام الصدر دون أى علاقة بالقلب
1 ــ إن تجمع الغازات فى الأمعاء أحد أهم الأسباب التى تحدث معها آلام تشبه إلى حد كبير آلام الذبحة الصدرية حتى إن الأمر كثيرا ما يختلط على الطبيب والمريض معا مما يضطر الطبيب لإجراء كل الفحوصات اللازمة لاستبعاد إصابة شرايين القلب أو إثباتها.
2 ــ الضلع المنزلق: يتكون قفض الإنسان الصدرى من اثنى عشر ضلعا؛ السبعة العلوية منها تلتحم مباشرة بعظمة الصدر الأمامية «القفص» بينما تلتحم الخمسة الباقية ببعضها البعض بأربطة عضلية قد تتراخى تلك الأربطة مما يتيح أن يخرج أحد الأضلاع ليستقر فوق الآخر. آلام ذلك الضلع المتكررة قد تشابه آلام الذبحة الصدرية أو قد يخطئ تشخيصها بأنها أحد أورام أو أمراض المعدة، البنكرياس أو الاثنى عشر.
3 ــ مرض الضلع القصّى: من المعروف أن الأضلاع من العظام بينما أماكن التحامها بعظمة القص من نسيج الغضاريف. قد تكون تلك الغضاريف محل ألم يتكرر أو ألم يمكن تحسسه بالأصابع عند عظمة القفص.
4 ــ ألم نهاية عظمة القص: نهاية عظمة القص مدببة وحدوث الألم أمر وارد فيها وإن كان غير معلوم السبب ربما يمكن أن نعزوه للعضلات المرتبطة بها نتيجة الجلوس بطريقة خاطئة أو لفترات طويلة أمام شاشات التليفزيون أو الكمبيوتر.
آلام الصدر التى لا علاقة بها بالقلب آلام قد يضع لها حدا قرص أسبرين أو مضاد للالتهاب أو حقنة كورتيزون، فى المقابل فإن آلام الذبحة الصدرية خصوصا إذا اقترنت بظواهر أخرى كالعرق البارد أو اختلال النبض والدوار والرغبة فى القىء تحتاج إلى تدخل سريع فى مركز متخصص يبدأ بأبحاث التشخيص لاختيار ومدهشة العلاج.